غير أن عمل هؤلاء الناس اليوم، لا يقتصر على الخروج بالترصد القتالي على القادة والحكام الذين ينعتونهم بالكفر والردة، لأنهم لا يحكمون بما أنزل الله، وإنما يمتد إلى ملاحقة الموظفين الذين تحت أيديهم من شرطة وجنود وعمال ومستخدمين.
وهم ينطلقون إلى هذا من فتوى يفتون بها أنفسهم، وهي أن هؤلاء الجنود والعمال والموظفين، أعوان للظلمة ـ أي الحكام ـ فيجري في حقهم من الأحكام ما يجري في حق رؤسائهم الذين يستخدمونهم ويستعينون بهم!..
وقد أوضحنا أن هؤلاء الذين يسمونهم ظلمة من القادة والحكام، لا يجوز الخروج علي أي منهم بأي قتال أو عدوان، ومن ثم فلا يجوز الخروج على أعوانهم وموظفيهم بأي قتل أو إيذاء من باب أولى.
على أن هؤلاء الحكام لو كانوا يستحقون الخروج عليهم بالقتال فعلاً، وكان ثمة مبرر شرعي بذلك، فلا يجوز ملاحقة عمالهم وموظفيهم بالقتل أو الإيذاء لمجرد كونهم كذلك، أي بدون جريرة من كفر أو ارتكاب موجب حد.
ولا يجوز سلب صفة الإسلام أو الإيمان عنهم لمجرد كونهم موظفين أو أجراء أو جنودًا تحت سلطة حكامهم.
لقد كان حاطب بن أبي بلتعة من أبرز الأعوان لمشركي قريش يوم فتح مكة ـ فيما تقضي به مقاييس هؤلاء الناس اليوم ـ ولقد قدم لهم ـ وهم كفار حربيون ـ من المساعدة والعون، ما لا يقدم مثله جل من يسميهم اليوم هؤلاء الناس: أعوانا للظلمة، ومع ذلك فإن رسول الله ﷺ ـ وقد علم بالذي فعله حاطب ـ لم ينزع عنه صفة الإسلام، ولم يحكم عليه بقتل ولا بأي إيذاء، لما علم أنه مؤمن بالله ورسوله. ولما نزلت في حقه الآية التي أنكرت عليه فعله، خاطبته ضمن جماعة المؤمنين بصفة الإيمان. وذلك في قوله عز وجل: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة﴾ [الممتحنة: 1]. وقد أبى رسول الله ﷺ أن يمسه بأي أذى، ولم يزد على أن نصحه واستتابه.
وسبب ذلك أن ما قدمه من العون للمشركين لا يحمل دلالة قاطعة على كفره، إذ ربما كان الحامل له على ذلك شيئا آخر، كما اتضح ذلك فعلا لما اعتذر لرسول الله ﷺ قائلا: «إني كنت امرءًا ملصقًا في قريش، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادًا عن ديني ولا رضى بالكفر بعد الإسلام»( )، وقد صدقه في ذلك رسول الله ﷺ.
فإذا لم يكن هذا الذي أقدم عليه حاطب بن أبي بلتعة مكفرًا، ولم يكن موجبًا لتصنيفه مع مشركي قريش، ليعد واحدًا من الحربيين مثلهم، ومن ثم لم يعامله رسول الله ﷺ إلا معاملة المؤمن الصادق في إيمانه، فكيف، وبأي وجه يصح أن يصنف من يسمون اليوم بالشرطة أو الموظفين والجنود داخل دول إسلامية، مع المرتدين والكافرين، ثم يفتى بقتلهم واغتيالهم، وهم يعلنون في كل يوم ومناسبة إسلامهم، وربما كانوا من الملازمين لأوامر الله والكثير من أحكامه...! وإذا لم يجز الخروج بأي أذى على قادتهم وحكامهم فكيف يجوز التصدي بالقتل لأعوانهم؟
والخطأ يكمن أولا في حكمهم على القادة والحكام بالكفر والخروج عن الملة، ثم يكمن في عدهم الموظفين والعسكر والشرطة والمستخدمين أعوانًا للظلمة، أي الكافرين..! ثم يكمن في عد هؤلاء الأعوان ـ على فرض أنهم أعوان الظلمة فعلاً ـ مرتدين كسادتهم يجوز الخروج عليهم بالقتل والتشريد..!