مر تنظيم داعش «ولاية سيناء» بثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى: هي المرحلة التي سمي فيها نفسه باسم «التوحيد والجهاد».
والمرحلة الثانية: هي مرحلة «الولاء المطلق تنظيم اللقاعدة»، والتي أعقبت ثورة 25 يناير، وهي التي تجمعت فيها كل الفصائل السيناوية وانتظمت في عقد واحد وأسمت نفسها: «أنصار بيت المقدس».
أما المرحلة الثالثة: فهي التي تركت القاعدة وخلعت بيعتها لأيمن الظواهري، وأعلنت ولاءها الكامل لداعش وبايعت البغدادي.
وفي كل مراحل التنظيم كان فكر التكفير هو القاسم المشترك والعمود الأساسي لفكر التنظيم، وكان التنظيم في كل مراحله الثلاثة يكفر كل الحكام المصريين، وهم يعتبرون أن هؤلاء الحكام جميعًا فضلاً عن كل الحكام العرب كفارًا لأنهم لا يطبقون الشريعة ولا يحكمون بما أنزل الله بحسب فكرهم.
كما أن التنظيم في مراحله الثلاث يكفر كل أجهزة الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى ويعتبرها من أعوان الطاغوت.
والتنظيم في كل مراحله يكفر البرلمان؛ لأنه يشرع من دون الله - من وجهة نظره - دون أن يدرك أن الله قد أباح للبشر التشريع في ستة أمور:
1-التشريع فيما لا نص فيه.
2-التشريع في كل المباح.
3-التشريع بالقياس.
4-التشريع بالمصلحة المرسلة.
5- تقنين الشريعة في صورة قوانين ملزمة أمام القاضي.
6-التشريع بالاختيارات الفقيهة.
أما التنظيم وغيره من التنظيمات التكفيرية فتظن أن البشر لا حق لهم في التشريع مطلقا. والحقيقة أن الله هو الذي أعطى للبشر حق التشريع بضابط واحد: هو ألا يحل هذا التشريع حرامًا ولا يحرم حلالًا ولا يصطدم بثوابت الإسلام.
ويكفر التنظيم الصوفية جميعًا، ويكفر كذلك الشيعة جميعًا، كما يكفر الأحزاب السياسية، وبعضهم ويا للعجب يكفر الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.
والأزمة الفكرية لتنظيم القاعدة وداعش واحدة، وهي تتمثل في القياسات الخاطئة والباطلة والتي تمثل الخطأ الاستراتيجي في فكرها والذي تنبني عليه كل الأخطاء الفكرية الأخرى.
وهذه القياسات الثلاثة الباطلة تعد الأزمة الحقيقية لكل الجماعات الجهادية التي تفرعت وانتشرت في كل البلاد الإسلامية وهي تتمثل في الآتي:
أولا: قياس الجيوش العربية على جيش التتار: مع أن الفرق بين الجيش المصري مثلا وجيش التتار كالفرق ما بين السماء والأرض، فجيش التتار كان جيشًا همجيًا غازيًا، وكان وثنيًا ولم يدخل بعض جنوده الإسلام إلا بعد قرابة مئة عام من عهد جنكيز خان، وكان يقتل كل من لقيه، وكان يغتصب النساء ويقتل الأطفال ويحرق المدن بعد الاستيلاء عليها، وكان يدمر المكتبات ويحرقها مثل مكتبة بغداد وكان مشهورًا بالغدر والخيانة، وكان يعتبر جنكيز خان ابنا للإله.
وأي إنسان لديه ذرة عقل أو حكمة أو فطنة يدرك أن هذا الجيش لا يمكن قياسه على الجيش المصري أو أي جيش عربي وطني.
ثانيًا: قياس كل الحكام العرب بجنكيز خان: وهذا القياس من أبطل وأسوأ القياسات، فجنكيز خان لم يكن مسلمًا في الأصل، وكان حاكما وثنيًا، وكان يري نفسه ويسوق نفسه بين جيشه وشعبه أنه «ابن الله»، وأن «الوحي يتنزل عليه».
ومن يقيس حكام العرب في أي عصر من عصورهم بجنكيز خان، فقد ضل سواء السبيل، فهم حكام وطنيون، كل بحسب اجتهاده وفكره، وهم يصيبون ويخطئون، ويطيعون ويعصون، ويلتزمون بالشريعة تارة ويتركونها أخرى، تارة تحت ضغوط سياسية أو اقتصادية أو دولية، أو بحسب فهمهم للشريعة، ومعظم صراعاتهم مع الإسلاميين هي صراعات حول الحكم والسياسة والسلطة، وهم لا يكرهون الشريعة، وليس فيهم حاكم جاء من خارج بلاد المسلمين ليغزوها أو يهلك الحرث والنسل فيها.
ثالثًا: قياس الدساتير والقوانين في بلاد المسلمين بالياسق: وهذا القياس الباطل هو الذي أوقع كل الجماعات التي تنتهج ثنائية التكفير والتفجير في كل الأخطاء المتتالية، خيث يقيسون الدساتير والقوانين في مصر وكل البلاد الإسلامية بـ «الياسق»، وهو كتاب ألفه جنكيز خان لجيشه وشعبه، فيه خليط عجيب من الديانات المختلفة بالإضافة إلى أفكار خاصة بجنكيز خان.
ومعظم دساتير الدول العربية والإسلامية جيدة، والمشكلة ليست فيها ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم تطبيقها أو الالتفاف عليها، ولو طبقت هذه الدساتير حقًا لأصبحت بلاد المسلمين جنة على الأرض.
فالقوانين والدساتير في بلادنا لم يقل أحد إنها معصومة، وتخضع للتبديل والتغيير دائمًا، ولا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، بل بعضها كالدستور المصري ينبع من الشريعة مباشرة، وبعضها الآخر لا يتصادم معها، فالمشكلة في بلادنا ـ كما قلنا ـ ليست في الدساتير بقدر ما تكمن في عدم تطبيقها أو الالتفاف عليها.
وبهذا يتبين لنا الأثر السيء الذي ينبني على تبني الفكر التكفيري.