الركن الأول: عقيدة أهل السُّنة والجماعة (عقيدة السلف الصالح).
وهي العقيدة الصافية التي لم يداخلها تشويش المعتزلة أو القدَرية أو الجبرية أو المجسِّمة أو غيرهم من الفِرَق المخطئة، وهي العقيدة السُّنية الصحيحة التي نظَّر لها في التصنيف والتأليف أئمة أهل السنة والجماعة: كالإمام أبي الحسن الأشعري، والإمام أبي منصور الماتريدي، والإمام أبي جعفر الطحاوي رضي الله عنهم. وهي عقيدة جماهير المسلمين، بخلاف أهل البدع أو من تأثر بهم من العوام.
وأكبر تجليات الوسطية في هذه العقيدة السنية، أنها تعتقد الإيمان في كلِّ من أتى بكلمة الشهادة موقنا بها قلبه، فالإيمان عند أهل السنة هو التصديق القلبي لا غير، وأما العمل فثمرة من ثمرات الإيمان، وليس جزءا من ماهيته، فإذا ما صدَّق القلب بالله تعالى ورسوله ﷺ ، فصاحبه مؤمن وإن أتى بقراب الأرض معصية، فحسابه عند الله تعالى، غير أن لقب الإيمان لا ينزعه عنه أحد.
وهكذا حمى منهج أهل السنة المجتمع الإنساني من غوائل التكفير، وهجير الإرهاب، ولهيب التعصب، ونيران التطرف، وهي تلك الظواهر التي شقيت بها البشرية، ثم نسبت إلى الإسلام نفسه زورا وبهتانا، بينما الإسلام السمح المعتدل الذي يحمل للبشرية الأمن والعدل والسلام منها براء.
لقد كان من تجليات هذه العقيدة السنية: أنها ترى الكف عن ما شجر بين الصحابة الكرام من خلاف، ويقول قائلهم: «تلك دماء طهر الله منها سيوفنا، فلا نلغ فيها بألسنتنا». وهو ما رشح للسلام المجتمعي بين جناحي الأمة من السنة والشيعة على السواء، بخلاف من يسعى من الفريقين ـ على غير بصيرة وهدى ـ للتقليب في صفحات الماضي البعيد، بغرض إثارة الفتن، واستجرار ألوان من النزاع الذي لا مسوغ له ولا مبرر بين أبناء الأمة الواحدة.
الركن الثاني: فقه أهل السنة والجماعة (المذاهب الأربعة).
لقد كانت رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تهدف في جملتها إلى تحقيق أهداف ثلاثة، ذكرها المولى سبحانه في قوله: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [الجمعة: 2].
فهذه الآية تدل على أن تبليغ النص الشريف للأمة هو أحد أهداف الرسالة المحمدية، إذ النص الشريف يحتوي في مضمونه على بيان أحكام الله تعالى في أفعال المكلَّفين من حيث الصِّحةُ والفساد، والحلُّ والحرمة، وهو (الدِّين) بمعناه العملي.
ولكن معرفة الأحكام الشرعية لا تتأتَّى إلا باستنطاق النصوص الشريفة المتضمنة لتلك الأحكام، من خلال التحليل الدقيق لتلك النصوص، وبإعمال أدوات مخصوصة، فينكشف بذلك الحكم الشرعي.
إن عملية البحث الفقهي تقوم في أساسها على ثلاثة أركان:
1ـ المصادر، وهي النصوص الشريفة التي يستمد منها المجتهد أحكام الشرع الشريف، بطريق النطوق أو المفهوم أو الخصوص والعموم، وقد يطلق عليها: الأدلة.
والذي ينبغي التنبه إليه: أن النصوص ليست هي الأحكام الشرعية، بل الأحكام الشرعية شيء كامن في داخل النصوص، إذ النص لا يؤتي الحكم الشرعي إلا بعد استفراغ الوسع في تحليله وفهمه باستخدام منهج منضبط يعصم صاحبه من الغلط في الفهم أو تحميل النص الشريف ما لا يحتمل.
2ـ المنهج، وهو الطريقة المنضبطة التي من خلالها يستطيع المجتهد استنطاق النص الشريف بما يضمره من أحكام الشريعة الغراء، إذ عملية البحث الفقهي والفتوى لا بُدَّ لهما من ضابط يصون القائم بهما عن الشذوذ، وذلك الضابط هو المنهج المبني على أسس صحيحة، الذي كان ولا يزال موجودًا منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو منهج فَرَضته طبيعة النصوص الشرعية، وطبيعة اللسان العربي الذي جاءت به، والقواعد العقلية الفِطرية التي لا يختلف عليها اثنان. وهو المنهج المتمثِّل في علم أصول الفقه، الذي صيغت قواعده بأسلوب غاية في الدِّقَّة والإحكام، بأيدي الجهابذة من رجال المدارس الفقهية الأربعة التي كتب الله تعالى لها البقاء، والتي اندرج فيها مذاهب الصحابة والتابعين ومَن بعدهم ومناهجُهم في النظر.
3ـ العالم المتأهل، وهو الذي تلقى هذا العلم من المتقنين له، فلازم مشايخه، ومارس كتُـبَه واصطلاحَه، مع إدمان الدَّرس، ودوام المطالعة، وكثرةِ المِران والدُّرْبة، وإنفاق رَدْحٍ من نفيس العمر في التحصيل، حتى يُجيزَه أهلُ هذا العلم فيه.
لقد كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستفتونه في أمور دينهم؛ فيفتيهم بما أنزل الله عليه من الوحي، أو يسُنُّ لهم سُنَّة فيما لم يَرد فيه قرآن؛ فيجب عليهم اتِّباعُها بنَصِّ القرآن، فإن جاء الوحي ناسخًا لبعض أحكام سُنَّته صلى الله عليه وآله وسلم، تعيَّن أن يَسُنَ لهم سُنَّة جديدة موافقة للقرآن؛ لتقوم الحجة على كلِّ حكم بالكتاب والسُّنَّة معا، ولا تكون لنا سُنَّة مفردة تخالف الكتاب.
وكان جملةٌ من نبهاء الصحابة رضوان الله عليهم يحفظون فتاواه صلى الله عليه وآله وسلم ويتفقَّهون به؛ مع حصول أدوات الفهم عندهم بالفطرة، لرجاحة عقولهم، وشهودهم التنزيل، وإحاطتهم بمقاصد الشرع؛ فصاروا مفزَع الناس ـ فيما يتعلَّق بالفتوى ـ في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وبعد وفاته، غير أنَّ اجتهادهم في حياته كان عند تعذر الوصول إليه، كما هو الحال في قادة جيوشه، ودعاته الذين أرسلهم لنشر الإسلام في الأقطار كمعاذ بن جبل وغيره، كما كان اجتهادهم يتوقَّف على إقراره صلى الله عليه وآله وسلم لذلك الاجتهاد، وهو ما جعل الحكم الفقهي ـ في ذلك العهد ـ واحدًا في الغالب.
وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم وجَدَ الصحابة الكرام أنفسهم أمام مسائلَ كثيرةٍ لم يرد فيها نَصٌّ صريح من الكتاب أو السُّنَّة، فدخل فريق منهم باب الاجتهاد بالرأي لمعرفة الحكم الشرعي فيما جَدَّ من القضايا، بينما اقتصر الفريق الآخر في فتواه على نقل ما رآه أو سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فغرسوا بذلك بَذرَة الاختلاف في منهج البحث الفقهي، التي أثمرت فيما بعدُ ما سُمِّي: مدرستي الرأي والحديث.
وقد كان المجتهدون من الصحابة رضوان الله عليهم سائرين في اجتهاداتهم على منهج رصين وقاعدة دقيقة يهتدون بها في استنباط الأحكام من النصوص الشرعية، فلم يكونوا يخبِطون خَبْطَ عشواء بلا قانون عاصم، أو دليل مرشد. غير أنَّ قواعد مناهجهم في الاستنباط لم تكن مدوَّنة مكتوبة، بل قائمة في أذهانهم بصورة واضحةٍ مرتَّبةً ومنظمة، فقد استخدموا القياس، وعرفوا الناسخ والمنسوخ، وأخذوا بمفهوم المخالفة ... إلى غير ذلك مما صرَّحوا به، أو لوحظ بالتأمُّل في ثنايا فتاواهم، ومن طالع كتاب «الفقيه والمتفقه» للخطيب البغدادي رحمه الله: رأى ذلك رأي عين.
والذي أغنى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم عن الحاجة إلى منهج مدوَّن مكتوب: هو عدم الدافع إلى ذلك لديهم؛ إذ كانت اللغة العربية سَليقة لهم، مع تلقِّيهم ـ المباشر أو غير المباشر ـ عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومعرفتهم بأسباب النزول ومقاصد التشريع، إضافة إلى بساطة الحياة وقلَّة القضايا التي تستدعي إثارة الجدَل والخِلاف في تلك الفترة.
جاء بعد الصحابة جيل التابعين رضوان الله عليهم ـ الذي يُعَدُّ حلَقَة الوصل بين الصحابة وجيل الأئمة أصحاب المدارس الفقهية ـ فرووا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآثار أصحابه، واجتهدوا في معرفة ما لم يَرِد فيه نَصٌّ من القرآن والحديث والأثر، مُهتَدين بجيل الصحابة، مُترسِّمين خُطاهم في اجتهاداتهم.
ثمَّ جاء تلاميذ التابعين الذين ارتبط تاريخُهم بتكوين المدارس الفقهية المشهورة، فكان من هذا الجيل الإمام أبو حنيفة النُّعمان، مؤسِّسُ أوَّل المدارس الفقهية، والذي يَعُدُّه غيرُ واحدٍ من العلماء في التابعين؛ لثبوت لقائه ببعض الصحابة، إلا إنه لم يأخذ العلم عنهم لصِغَر سِنِّه، وإنَّما حمَل العلم عن كبار التابعين، وشاركه في ذلك الإمام مالك بن أنس، فأخذ عن كبار التابعين بالمدينة المنوَّرة، وتصدَّر للتدريس والفُتيا، فأخذ عنه الإمام الشافعي الفقه، ثم رحل من عنده إلى محمد بن الحسن ـ صاحب الإمام أبي حنيفة ـ فأخذ عنه، وبذلك جمع فقه أهل الحجاز والعراق، وعن الشافعي أخذ أحمد بن حنبل، كما أخذ من قبلُ عن أبي يوسف القاضي ـ صاحب الإمام أبي حنيفة ـ وبهذا يظهر الاتصال الفقهي بين عصر التابعين وعصر الأئمة أصحاب المدارس الفقهية، كما يظهر اتصال أصحاب تلك المدارس واطلاع كلٍّ منهم على منهج الآخر في التفقيه والفتوى.
لقد ورِث هؤلاء الأئمة عن السابقين منهجهم في البحث الفقهي لاستنباط الأحكام، إذ لم يكن المنهج الذي سلكه المجتهدون ـ الصحابة فمن بعدهم ـ اختراعًا فكريًّا أبدعه العقل البشري من لا شيء، بل هو مجموعة من القوانين الفِطرية التي تُهيمن على سَيْر العقل البشري ويتحاكم إليها لبداهتها، فالمنهج بطبيعته يُكشَف كشفًا؛ لأنه من الحقائق الثابتة التي تُسلِّم لها العقول وتنقاد لها الفطرة السليمة عن شوائب الأهواء دون عناء أو جهد.
فموقف العقل البشري من المنهج الفقهي الذي اتَّبعه المجتهدون هو الرَّصد ثم الكشف ثم تقعيد القواعد وصياغتها، وليس اختراع المنهج أو إبداعه؛ إذ لو كان بإمكان العقل اختراع منهج علمي، لاحتاجت عملية الاختراع نفسها إلى منهج يضبطها ويحفظ خطواتها من الزَّلل والوَهم، ولاحتاج هذا المنهج بدوره لمنهج آخر؛ فيؤدِّي إلى تسلسل العلل غير الذاتية إلى ما لا نهاية، وهو ما يستحيل في بداهة العقول.
وعلى ذلك فإن مذاهب الأئمة الأربعة لا تعني مجرد أقوال ومسائل منسوبة لهؤلاء الأئمة، بل هي مناهج علمية مؤصلة ومحررة في البحث الفقهي، من التزم بها في مراحل بحثه صانته من الشذوذ والانحراف، ومن خرج عليها صدر في بحثه لا عن منهج علمي واضح المعالم، سليم البنيان، تنسجم فيه الفروع مع الأصول؛ لتكون الثمار الناتجة عن ذلك سليمة صحيحة.
بل ربما تراه يُبرهن على فتواه بدليل جزئي أو كلي أو قاعدة أصولية؛ ثم يكُرُّ على ذلك الدليل ذاته بالإبطال والتزييف في فتوى أخرى، ناسيًا أو مُتناسيًا تصحيحه له واستشهاده به من قبل.
واتباعنا للمذاهب الأربعة: هو اتباع مناهج البحث التي أصَّلها الأئمة الأربعة في الفقه والفتوى والتدريس، تلك المناهج التي بقيت واستمرت وانتشرت منذ القرون الخيرية الأولى وحتى يومنا هذا، حتى صارت هذه المناهج الأربعة (الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي) عيونًا ترى بها الأمة أحكام الشريعة الغراء، وتُصدر من خلالها الرأي فيما يُقبَل أو يُرَدُّ، فأسَّست بذلك لمنهج متين في تلقي الفقه، وفي إفتاء المسلمين، ولذلك لم تعرف الأحقاب الماضية تعرُّضَ المسلمين لهذا النوع من فوضى الفتوى التي يعيشها المسلمون الآن؛ بسبب وجود مرجعيات لا تقوم على أسس ثابتة من مدارس السلف الفقهية، وإنما تعتمد على التوجهات الفكرية الشخصية أو الحزبية.
ولعلي أختم بهذا النص النفيس للإمام تقي الدين السبكي رحمه الله من كتابه «التحقيق»: «المذاهب القديمة لا يجوز للعامي تقليدها وليس ذلك لأمر يرجع لأصحابها حاشا لله بل هم أئمة الهدي وينابيع العلم لكن لم يُعتن بجمع أقوال قائليها وتدوينها اعتناء تاما حتي يستدل ببعضها علي بعض، وبمبينها علي مجملها ، وبخاصها علي عامها ، وبمقيدها علي مطلقها كما فعل أصحاب المذاهب المشهورة و تناقلوها نقلا مستفيضا بحيث صار يحصل لكثير من المتمذهبين الظن القوي بأن تلك الأحكام هي قول إمامهم ومذهبه ، وتناقلها المرجحون لها قرنا بعد قرن عددا يبلغ حد التواتر في معظم المسائل والقواعد من لدن زمان إمامهم إليهم لا كفتيا مطلقة تنقل عن إمام لا ندري ما أراد بها وهل اقترن بها أمر يقتضي ذلك أو لا؟ وكنا نود لو دونت تلك المذاهب كما دونت هذه ، ولكن في كتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم التي تكفل بحفظها بقوله : ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]. كفاية عن كل مذهب وغنى عن قول كل قائل، وقد كان بعض شيوخنا أشار علي بجمع ما يتصل إلينا في الروايات من مذاهب السلف فوجهت الهمة إلي ذلك فوجدت كثيرا منها بألفاظ غير صريحة بل ولا ظاهرة فيما يراد بها فانتهيت عن ذلك والله أعلم». اهـ كلامه رحمه الله
وقوله رحمه الله :«في كتاب الله تعالي و سنة رسوله صلي الله عليه وسلم كفاية عن كل مذهب وغني عن قول كل قائل».
لا يقصد به أن يتصدى كل أحد للأخذ من الكتاب والسنة بلا ضابط بل هذا شأن المجتهدين فقط، ومقصوده رضي الله عنه: أن عدم التدوين الكامل للمذاهب القديمة كمذاهب الصحابة والتابعين لم يؤثر في الإسلام شيئا فقد أتى أئمة مجتهدون غير القدامى واستوفوا آلات الاجتهاد ونظروا في الكتاب والسنة فدونوا لنا المذاهب الأربعة المشهورة تدوينا واضحا مفصلا فأصبح مقلدهم علي بصيرة يعلم من مذاهبهم الخاص والعام والمقيد والمطلق وغير ذلك فيفهم كلام الأئمة طبقا لقواعدهم لا كفتاوى مطلقة وردت عن سادات الصحابة والتابعين لا نعلم شروطها ومعتبراتها ولا الأحوال التي قيلت فيها.
الركن الثالث: سلوك أهل السنة والجماعة (التصوُّف)
ونعني به تصوف أهل السنة القائم على تزكية النفس وتنقية الروح والترقي بها في مراتب القرب من خالقها، لا التصوف الفلسفي الذي لا طائلَ للمسلم من ورائه إلا التوسع في المصطلحات والمعاني، بل والتعرُّض للزلل والمهلكة. ولا نعني به أيضاً تصوُّف الجهل والبدعة والخرافة.
إنه تصوّف السلف وأئمة الدِّين، الذي هو ركن الإحسان من أركان الكيان الإسلامي السليم، الذي يجمع في إهابه بين السماحة واللين، وبين الصلابة والاستمساك، ويؤلف بين وضوح العقل ووجدانية الروح، ويزاوج بين الاستمتاع بطيبات الحياة الدنيا، وبين الحرص على مرضاة العليم الحكيم.
هذه الأركان الثلاثة هي العناصر الرئيسة في تكوين منهج أهل السنة والجماعة، الذي يمثل وسطية الإسلام الحقة، التي رعتها مدارس الإسلام حق رعايتها، لا تهتم فيها إلا بوجه الإسلام الحق، ووجه الحقيقة الناصعة.
فلم تكن وسطية الإسلام ـ يوما ما ـ محاولات عقيمة لاسترضاء هذا الطرف أو ذاك الطرف على حساب الحق والحقيقة.
ولم تكن وسطية الإسلام ـ يوما ما ـ مواقف غامضة متخاذلة تجاه قضايا الإسلام الكبرى التي لا تحتمل أنصاف الحلول أو الإجابات الرجراجة المترددة.
ولم تكن تلك الوسطية ـ يوما ما ـ مجرد حاصل جمع ضحل لأطراف متناقضة .. كل منها يبتغي من الإسلام ظهيرا لأغراضه أو نصيرا لأهدافه، بل كانت وسطية الإسلام دوما موقفا واضحا ورؤية نابعة من أصول الإسلام القطعية؛ مستهدفة مصالح المسلمين، الذي يؤوبون إلى تلك الوسطية حين تضل بهم السبل أو تتفرق بهم الأهواء( ).
والله تعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم.